الرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI

رنين مغناطيسي وظيفي

ما هو الرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI؟

في هذه الأيام لا يكاد يمر عليك وقت طويل إلا وتصادف خبراً في وسائل الإعلام عن إكتشاف جديد تم عن طريق الرنين المغناطيسي الوظيفي. الرنين المغناطيسي الوظيفي Functional Magnetic Resonance Imaging -fMRI هي طريقة لقياس نشاط الدماغ. بواسطته يمكننا أن نحصل على نافذة لرؤية كيف يقوم الدماغ بوظائفه وكيف يتصرف عند القيام بمهمة معينة. لكن ما هي هذه التقنية العجيبة ” ألة العجائب” ؟ هذا هو هدفي من هذه المقالة، بالإضافة إلى أن أضع هذه المعلومات بلغة تتناسب مع المختصين وغيرهم.

رنين مغناطيسي وظيفي
صورة 6: الدمج مع الصورة التشريحية T1 بإستخدام SPM12

مقدمة

أول من اكتشف هذه الطريقة هو الياباني أوجاوا Ogawa عام 1990 ميلادي. اكتشف أوجاوا أن الخواص المغناطيسية في الدم تختلف بإختلاف نسبة الأكسجين فيه. تنبأ أوجاوا في نهاية بحثه أنه من الممكن إستخدام هذه الطريقة لقياس نشاط الدماغ بإستغلال إختلاف كمية الأكسجين في الدم عندما تقوم الخلايا بنشاط معين مقارنة بالخلايا الأخرى. قام أوجاوا بالمزيد من الأبحاث لإثبات أن طريقته من الممكن أن تنجح في قياس نشاط الدماغ،شاركه في ذلك العديد من العلماء في العالم. فعلاً تم إثبات فعالية هذه الطريقة وتم تطويرها لتصبح الآن أهم الأدوات في كشف أسرار الدماغ.

تم في السنوات العشر الأخيرة تزايد إستخدام هذه التقنية بشكل كبير وملحوظ خاصة في مجال دراسة الدماغ ووظائفه والأبحاث المتعلقة بذلك. تعتبر دراسة وظائف الدماغ وكيف يقوم بعمله تحدي صعب، وذلك لأن الدماغ محصن داخل عظام قوية لحمايته (عظام الجمجمة). طور العلماء العديد من الطريق لدراسة الدماغ وليس المجال هنا سردها، ولكن تقنية الرنين المغناطيسي الوظيفي قد تكون أهم هذه الطرق وذلك لأنها آمنة ولا تتضمن أي إشعاع ولا أي تدخل جراحي. بجانب التطبيقات البحثية للرنين المغناطيسي الوظيفي، اصبح استخدامه المجال الإكلينيكي في المستشفيات وتطبيقاته فيها في تزايد، خاصة في حالات ما قبل العمليات الجراحية للدماغ.

الطريقة التي أكتشفها أوجاوا -وهي الأكثر إستخداماً اليوم- هي التي سأتحدث عنها في هذه المقالة وتسمى بـ BOLD وهي إختصاراً لـ Blood Oxygenation Level Dependant وهي تعتمد بشكل أساسي على إختلاف مستوى الأكسجين في حالتي النشاط والخمول.

الفرق بين التصوير بالرنين المغناطيسي المعتاد والوظيفي

التصوير عن طريق الرنين المغناطيسي المعتاد يعطينا صور توضح شكل أنسجة الدماغ، إذا ماكانت سليمة أو يوجد بها عدة أمراض وهكذا. التصوير بالرنين المغناطيسي المعتاد بواستطه يمكننا رؤية الدماغ، أما التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي يعطينا معلومات عن نشاط الدماغ عند القيام بنشاط ما. مثلاً عند الطلب من الشخص الذي بداخل الرنين المغناطيسي القيام بتحريك اصعبه يزيد النشاط في المناطق المسؤولة عن تحريك الأصبع في الدماغ. بذلك نستطيع تصوير الوظيفة بدلاً عن الشكل (التشريح).

في الأسفل (صورة 1) مثال لتجربة قمت شخصياً بإجرائها على شخص تم الطلب منه فقط النقر بأصابعة (الضغط المتكرر finger tapping) بسبابة وإبهام اليد اليمنى داخل الجهاز. يلاحظ النشاط في المنقطة الحركية motor area من الجزء الأيسر من الدماغ (يسار الدماغ مسؤول عن الجزء الأيمن من الجسم والعكس صحيح).

الرنين المغناطيسي الوظيفي fmri
صورة 1: تجربة النقر على الأصابع بالرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI بإستخدام برنامج FSL. التقاطع باللون الأخضر يشير إلى أعلى قيمة.

يمكنك مقارنة الصور بالأعلى بالصور التشريحية للمنطقة الحركية (صورة 2)، أيضاً المنطقة الحركية بدورها مسؤولة عن حركة عدة أعضاء في الجسم (صورة 3) والجزء الخاص بحركة اليد تقع تقريباً في منتصف مقطع المنطقة الحركية. إذن يمكننا أن نستنتج أن الرنين المغناطيسي قد تمكن تحديد هذه المنطقة بدقة عالية.

المنطقة الحركية
صورة 2: المنطقة الحركية بالأحمر. مصدر الصورة – بتصرف: فيسبوك الموسوعة العربية لعلوم الدماغ والأعصاب
صورة 3: موضع اليد في المنطقة الحركية. مصدر الصورة: Brain Connection

مناطق في الدماغ مسؤولة عن وظائف مختلفة

نحن نعرف العديد من المعلومات عن الدماغ قبل ظهور الرنين المغناطيسي الوظيفي بواسطة طرق مختلفة لدراسة الدماغ ولعل أقدمها هو التشريح بعد الوفاة. على سبيل المثال تم إكتشاف منطقة بروكا في الدماغ (مسؤولة عن الكلام والنطق) عن طريق تشريح دماغ شخص كان سليم ومعافى، لكنه بعد ذلك اصابه مرض (ما يعرف اليوم بـ جلطة الدماغ) وفقد معه القدرة على الكلام. تم تشريح دماغ هذا الشخص بعد وفاته من قبل الطبيب بروكا واكتشف وجود موت للخلايا في الدماغ في منطقة معينة، استنتج الطبيب أن هذه المنطقة مسؤولة عن الكلام وفعلاً أثبتت التجارب الاحقة صحة كلامه وتم تسمية هذه المنطقة بإسم منطقة بروكا تيمناً به.

الشئ الرائع هو أن الرنين المغناطيسي الوظيفي اتى ليؤكد صحة هذه الإكتشافات (أو بشكل ادق- اضافة أدلة أخرى). وهذا ما يعطينا بعض الثقة في هذه التقنية ونتائجها خاصة مع توارد هذه الأدلة بواسطة دراسات الدماغ المختلفة.

يتكون الدماغ من عدة مناطق لها وظائف مختلفة ومتنوعة. الأبحاث المتعلقة بوظائف الدماغ مازالت تحاول فهم الدماغ، وعلى الرغم من أننا نعرف الكثير عن الدماغ وأسراره إلا أنه هناك أيضاً الكثير من مانجهل. أهم الطرق لدراسة الدماغ والتي أصبحت من أهم الأدوات هو الرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI. وذلك لأنه تقنية آمنة على المتطوعين ولا تسبب لهم الأذى.

الدماغ يتكون من عدة مناطق وظيفية، قد تختلف وأحياناً تتفق في وظائفها. مثلاً منطقة بروكا Broca’s Area مسؤولة عن إنتاج الكلام والتحدث بشكل عام، أي مرض في هذه المنطقة (كـ جلطات الدماغ أو الأورام) قد ينتج عنها عدم القدرة على الكلام أو التحدث بطريقة غير مفهومة. لنأخذ مثال آخر شهير هو منطقة فيرنك Wernicke’s Area وهي منطقة من الدماغ مسؤولة عن فهم الكلام أو استيعابه، مثلاً أي مرض يتواجد في منطقة فيرنك قد ينتج عنه أن المريض يتحدث بلغة غير مفهومة. قد يتحدث بطريقة نطق سليمة لأن منطقة بروكا لم تتأثر، ولكن كلماته ليس لها أي معنى ويشبهه البعض بالسلطة word salad.

هذه لمحة عن التشريح الوظيفي في الدماغ الهدف منها التعريف بكيف يمكننا الإستفادة من الرنين المغناطيسي الوظيفي في فهم آلية عمل الدماغ، وليس كشرح لوظائف الدماغ  وهو موضوع آخر متوسع بحد ذاته. يتبقى نقطة احب الإشارة إليها بأن الدماغ مترابط ببعضه البعض ولا توجد منطقة تستطيع القيام بوظائفها على حده، لذلك قد تتعدد الوظائف لمنطقة محددة من الدماغ، أو أن يقوم بالوظيفة عدة مناطق من الدماغ. لذلك يجب علينا أن نكون حذرين عند تفسير نتائج الرنين المغناطيسي الوظيفي. على سبيل المثال لا يمكن لمنطقة بروكا وحدها إنتاج الكلام، بل نحتاج مناطق أخرى من الدماغ مسؤولة عن حركة العضلات في الوجه وتنسيقها، أيضاً قد نحتاج للمنطقة المسؤولة عن الذاكرة لإسترجاع الكلمات المحفوظة منها. وهذا هو مايزيد الدماغ جمالاً وتعقيداً في نفس الوقت.

800px-brain_surface_gyri-svg
صورة 4: لمحة عن التشريح الوظيفي للدماغ، مثلاً منطقة بروكا في الدماغ (بالأزرق) مسؤولة عن إنتاج الكلام بينما منطقة فيرنك (الأخضر) فهي مسؤولة عن فهم الكلام .

كيف يتم التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي

تعتمد “آلة العجائب” هذه على تصوير التغيرات في تدفق الدم ونسبة الأكسجين فيه عند القيام بنشاط معين. على سبيل المثال عندما تنشط منطقة معينة من الدماغ بواسطة القيام بمهمة ما -مثلاً رؤية شئ معين- فإنها تستهلك المزيد من الغذاء “هنا الأكسجين” مما يزيد من تدفق الدم نحو هذه المنطقة، في مثالنا هنا تكون هذه المنطقة هي القشرة البصرية visual cortex.

مثال آخر، عند الطلب من الشخص المتواجد داخل الرنين المغناطيسي تذكر شئ معين فإن المنطقة المسؤولة عن الذكريات وإسترجاعها تنشط ممايزيد حاجتها للأكسجين والدم. يتم إلتقاط الزيادة في الدم والتغير في نسبة الأكسجين بواسطة الجهاز، يتم تحديد هذه المنطقة التي حدث فيها التغيرات بلون معين على صورة الدماغ. عندها يمكننا الإستنتاج أن هذه المنطقة قد يكون لها دور في الذاكرة.

يستطيع جهاز الرنين المغناطيسي إلتقاط الإختلاف بين الدم المؤكسج وغير المؤكسد. يرجع ذلك إلى إكتشاف أوجاوا والذي يشير إلى الإختلاف في الخواص المغناطيسية بين الدم المؤكسج وغير المؤكسج. وبما أن جهاز الرنين المغناطيسي يعتمد على الخواص المغناطيسية فإنه يكون حساس لأي إختلاف في المغنطة في الدم. ليس الموضوع بهذه البساطة، ولكن هذه هي الفكرة الرئيسية للرنين المغناطيسي الوظيفي.

الحذر والتأني في تحليل البيانات وتفسير النتائج

تحليل صور الرنين المغناطيسي يحتاج إلى وقت كبير مما قد يؤدي إلى الوقوع في الأخطاء. بالإضافة إلى ذلك، فإن إجراء التجربة وتفسير النتائج لا بد أن يكون بشكل واعي  ومنطقي ومتماشياً مع الأبحاث الأخرى. لنأخذ مثال على الأخطاء المحتملة في إجراء التجربة أو التفسير الخاطئ للنتائج. في مثالنا السابق عن الذاكرة لو فرضنا مثلاً أننا سألنا هذا الشخص تذكر حدث سابق. لسوء حظنا، تذكر هذا الشخص حدث سابق ولكنه حزين، عندها قد تكون المنطقة التي نحصل عليها ليست المنطقة المسؤولة عن الذاكرة ولكن الحزن! لذلك لا بد من التخطيط الجيد لإجراء تجربة رنين مغناطيسي وظيفي. لذلك من المعتاد في تجارب وأبحاث الرنين المغناطيسي إجراء التجارب على عدة متطوعين للحصول على بيانات تكون نسبة الخطأ فيها أقل.

أمثلة لإستخدامات الرنين المغناطيسي الوظيفي في دراسة الدماغ

 كما ذكرت، تُظهر هذ التقنية ما يفعله الدماغ خلال أداء نشاط معين. يتم ذلك بواسطة متطوعين في تجارب مختلفة داخل جهاز الرنين المغاطيسي الوظيفي. عادة مايتم مطالبتهم بتنفيذ مهمة معرفية خلال التصوير لمعرفة كيف يستجيب الدماغ لهذا المؤثر. من الأمثلة لبعض المؤثرات التي يمكن إستخدامها هو إعطاء مؤثرات بصرية أو سمعية، أو القيام بعملية حسابية، أو تذكر أو تخيل شئ ما، أو القيام بحركة ما بواسطة اليد أو القدم. وفي الوقت نفسه، يقيس الجهاز تدفق الدم من وإلى الأجزاء المختلفة في الدماغ ويرسم النتيجة بالألوان على صورة تشريحية. ببساطة يمكننا القول بأن المناطق التي تجذب معظم الدم هي تلك التي تكون أكثر نشاطاً. وذلك لأن الدم يحمل الأكسجين، وهو “الوقود” الذي تستخدمه خلايا الدماغ لتوليد الكهرباء ونقل ومعالجة الإشارات.

على مدى العقد الماضي، قدمت هذه التقنية لنا نظريات ومعلومات جديدة في مجالات متعددة تختص بالدماغ كالذاكرة واللغة والألم والتعلم والعاطفة. العديد من الأبحاث كانت علمية ورصينة، والبعض الآخر يشوبه بعد الأخطاء والتسرع في تفسير النتائج. حتى الشركات قامت بركوب الموجة وتمويل بعض الأبحاث، لدرجة أن أحد الدراسات بحثت ردة فعل الدماغ للأشخاص عندما يشاهدون تلفوناتهم (أيفون) وأكتشفوا أنها تكون مشابهة عندما يرون أشخاص يحبونهم. استنتجوا من بحثهم أن الناس يحبون تلفوناتهم بشكل مشابهة لأحبابهم، هنا تتداخل الدعاية والتسويق مع البحث العلمي.

صور الرنين المغناطيسي الوظيفي

صور الرنين المغناطيسي الوظيفي هي صورة إحصائية statistical maps (صورة رقم 5) يمكن معها إستنتاج تغير تدفق الدم في الدماغ.

fmri_clusters
صورة 5: المنطقة النشطة من الدماغ fMRI (uncorrected) Clusters using SPM12

بعد ذلك يتم دمج صورة الرنين المغناطيسي الإحصائية على صور تشريحية غالباً تكون T1 (صورة رقم 6)، وهذه هي الصورة التي غالباً ما يتم عرضها في المجلات العلمية أو الأخبار.

fmri_radclass
صورة 6: الدمج مع الصورة التشريحية T1 بإستخدام SPM12

مميزات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي

التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي هي تقنية سهلة وآمنة وتعطي نتائج موثوقة إلى درجة كبيرة. من أهم المميزات أن هذه التقنية لا تحتوي على أي نوع من الإشعاع الضار المتواجد في أجهزة كـ الأشعة السينية، والأشعة المقطعية، والطب النووي. أغلب دراسات الدماغ تكون من خلال إجراء التجارب على متطوعين. ولا يمكن تعريض هؤلاء الأشخاص إلى إحتمالية حصول ضرر من الإشعاع وإن كانت قليلة، فهؤلاء المتطوعون يختلفون عن المرضى في أنهم ليسوا بحاجة إلى إجراء هذا النوع من الفحوصات عكس المرضى. لذلك الضرر عليهم سيكون كبير مقارنة بالفائدة المرجوة من هذه الأبحاث وهذا مايجعل الرنين المغناطيسي الوظيفي الآمن تقنية واسعة الإستخدام لدراسة الدماغ.

الخاتمة

الرنين المغناطيسي الوظيفي اثبت فعالية في معرفة نشاط الدماغ، العديد من الأبحاث والدراسات اجريت بواسطته على الدماغ وإستخدامه كذلك في إزدياد ملحوظ. يجب العمل بشكل حذر في تفسير نتائج هذه التقنية لعدم الوقوع في الأخطاء، مع تصميم هذه الدراسات بشكل محكم.

المراجع العلمية

  • Glover, G. H. (2011). Overview of functional magnetic resonance imaging. Neurosurgery Clinics22(2), 133-139.
  • Logothetis, N. K. (2008). What we can do and what we cannot do with fMRI. Nature453(7197), 869.
  • Do you really love your phone that way? Psychology Today
  • Broca’s Area. Wikipedia
  • Motor Cortex. Wikipedia
  • Chow, M. S., Wu, S. L., Webb, S. E., Gluskin, K., & Yew, D. T. (2017). Functional magnetic resonance imaging and the brain: A brief review. World journal of radiology9(1), 5.

 

 

نُشر بواسطة أنور السلمي

مؤسس الموقع. هدفي هو المساهمة في خلق محتوى إشعاعي عربي يُفيد الممارس الطبي ويُجيب على استفهامات المريض.

اترك رد