الذكاء الإصطناعي: زمن الكمبيوتر القادر على قراءة وتفسير صور الأشعة

 

medical-563427_960_720
تطبيقات عديدة للذكاء الإصطناعي في الطب يُتوقع أن تساهم في تحسن جودة الرعاية المقدمة للمريض وتقليل الأخطاء البشرية والتكاليف

 

مقدمة

تتسابق الشركات الكبرى في إنتاج احدث التقنيات في صناعة وتطوير الأجهزة المستخدمة في المجال الطبي. ولايكاد يخلو معرض أو مؤتمر في مجال الأشعة إلا ويصاحبه تدشين وعرض أجهزة جديدة و تقنيات إبداعية. تهدف هذه الإختراعات إلى إكتشاف طرق وتقنيات جديدة في إكتشاف وتشخيص الأمراض، أو حتى تطوير الطرق الحالية والإضافة عليها لزيادة فعاليتها ودقتها.

تختلف وتتراوح نتيجة وكفاءة هذه التقنيات المستحدثة، فبعضها فعلاً يساهم في تطور طرق التشخيص مما يتيح تشخيص أدق وأسرع (كبعض التقنيات المستحدثة في تصوير وتشخيص أورام الثدي). البعض الآخر من هذه التقنيات يسهل على الممارسين الطبيين اداء اعمالهم. تتواجد أيضاً عدد من هذه التقنيات المستحدثة تكون شكلية وسطحية تستهدف فقط العمل الربحي أو التسويقي البحت لغرض بيع المنتج وزيادة الأرباح.

في هذا الموضوع ستيم أخذ لمحة عن دور ومستقبل الذكاء الإصطناعي في قراءة صور الأشعة. ماهو الدور الذي يستطيع القيام به، مقارنة بالأدوار التي لا يستطيع القيام بها.

الذكاء الإصطناعي في الأشعة

الذكاء الإصطناعي في قراءة صور الأشعة من أكثر المواضيع الساخنة في الأعوام الأخيرة. فكرة أن الكمبيوترات قادرة على قراءة وتفسير صور الأشعة ليست بالجديدة. خلال الثلاثين العام الماضية تم نشر العديد من الأبحاث في هذا المجال. لكن مع ذلك فأن اللوغاريتمات التي يتم إستخدامها في المجال الطبي مازالت قليلة جداً. لكن على الأقل نظرياً هذه اللوغاريتمات قادرة على إكتشاف الأشكال الغريبة وتمييزها، إذ يمكن تعليم وتدريب هذه البرامج كيف يكون شكل الأمراض التي نبحث عنها، عندها سيكون التشخيص أكثر دقة وفعالية وسرعة.

ibm-radiologist3x1200

مثال على برنامج ذكاء إصطناعي IBM’s Avicenna software مكتشفاً جلطة الشريان الرئوي. المصدر: MIT Technology Review

 

يتم هذا الذكاء الصناعي عن طريق تطوير لوغاريتمات رياضية يمكن تصميمها لتكتشف الأمراض بناءاً على الشكل والنمط. هذه اللوغاريتمات قادرة على سبيل المثال على تمييز ووصف الورم وقياس أبعاده وتضمين كل ذلك في تقرير الأشعة. أيضاً من الممكن أن تنبه طبيب الأشعة في حالة وجود شئ ما في الصورة يبعث على الشك لكي يدقق النظر.

قد يتم تضمين الذكاء الإصطناعي في نظام الباكس

 من الممكن أيضاً تضمين هذه التقنيات في نظام الباكس PACS كما عملت على ذلك أحد الشركات MEDNAX في برنامجها vRAD. حالياً هذا البرنامج قادر على إكتشاف النزيف الدماغي في صور الأشعة المقطعية، بل وإخبار أقرب طبيب مخ وأعصاب بهذه النتيجة بشكل آلي. هذا جداً فعال في كسب الوقت لمصلحة المريض. عامل الوقت مهم جداً للتدخل الناجح في حالات نزيف الدماغ. وبما أن هذا البرنامج يوجد داخل برنامج الباكس فهو قادر على إخبار طبيب المخ والأعصاب في غضون دقائق من الفحص، أو حتى والمريض مازال على طاولة الفحص.

المميزات

يُتوقع أن الذكاء الإصطناعي سيساهم في تحسن طرق المسح الطبي والتشخيص وتقديم خدمات أفضل للمرضى. أيضاً يتوقع أن تقلل هذه التقنية التكاليف الطبية سواءاً على المرضى أو مقدمي خدمات الرعاية الصحية.

“عامل الوقت مهم جداً للتدخل الناجح في حالات نزيف الدماغ. بتفعيل هذا البرنامج داخل الباكس سيكون قادر على إخبار طبيب المخ والأعصاب في غضون دقائق من الفحص، أو حتى والمريض مازال على طاولة الفحص”

هل يهدد الذكاء الإصطناعي مهن أطباء الأشعة؟

rad
الذكاء الإصطناعي: هل سيحل محل أطباء الأشعة ويأخذ منهم وظائفهم؟

النقاشات حول الذكاء الإصطناعي يتمخض عنه الكثير من الأسئلة والتعليقات، هل فعلاً يستطيع الكمبيوتر قراءة صور الأشعة وكتابة التقارير؟ هل يقوم بإكتشاف الأمراض بشكل أفضل من طبيب الأشعة أو أقل؟ أو السؤال الأهم: هل سيحل محل أطباء الأشعة ويأخذ منهم وظائفهم؟

يولد هذا الموضوع الكثير من القلق عند أطباء الأشعة عن تقلص وظائفهم أو أهمية دورهم في المنظومة الطبية. الحقيقة أنه لايمكن الإستغناء عن أطباء الأشعة لا على المنظور القريب أو البعيد. البعض يشبه هذه العلاقة كدور الطيار الآلى في قيادة الطائرات، فهو قادر على القيام بالأمور الروتينية وتولي الزمام في الرحلات الطويلة، لكن لم يغني ابداً عن وجود الطيار البشري خاصة في حالات الطوارئ.

مساعد ومعزز لدور طبيب الأشعة

في الثمانينات الميلادية كان طبيب الأشعة يفحص معدل مابين 20 إلى 50 صورة لكل فحص. أما الآن ومع تطور التقنية وإنتاج صور رفيعة السمك (أقل من 1 ملم) فعدد الصور قد يصل إلى الآلف صورة في الفحص الواحد. بالإضافة إلى ازدياد التطبيقات كالصور ثلاثية ورباعية الأبعاد وغيرها الكثير من البرامج والتطبيقات في معالجة الصور والبيانات.

عملية قراءة وتفسير هذه الصور قد تكون مملة وتجلب الأخطاء الطبية وتأخذ الكثير من وقت الخبراء. لكن ما يمكن للذكاء الإصطناعي فعله هو مساعدة طبيب الأشعة، على سبيل المثال تقوم شركة Arterys الناشئة بإستخدام الذكاء الإصطناعي لمسح القلب وتحديد مقدار الدم المتدفق عبر أوعيته، وهي عملية قد تستغرق من الطبيب حوالي 45 دقيقة. بينما بواسطة هذا البرنامج يمكن إنهاء هذه المهمة في ثواني معدودة.

كما في حالة الطيار الآلي، الأمور قد تكون مشابهة في حالة أطباء الأشعة. هذه البرامج قادرة على مساعدتهم في تولي الأمور الروتينية وتركيزهم على الأمور الحرجة. مما يزيد في كفائتهم في التعامل مع الحالات. عادة ما يقال أن الذكاء الإصطناعي لن يقذف بأطباء الأشعة إلى البطالة، لكن البطالة ستجد طريقها للطبيب الذي لا يُجيد التعامل مع هذه التقنيات. لذلك يجب تقبل هذا النوع من التطبيقات وتعلم التعامل معها بدلاً عن محاربتها والوقوف ضد التيار. خاصة مع تزايد البيانات والصور التي يجب على طبيب الأشعة تحليلها وتفسيرها وكتابة التقارير عنها.

مثال على هذه التقنيات .. واتسون

أحد التقنيات الأكثر شهرة في مجال الذكاء الإصطناعي الطبي هو (واتسون Watson). هو من أهم البرامج الواعدة في مجال الأشعة والطب بشكل عام والمتبنى من قبل شركات أكفا Agfa و سيمنس Siemens. هذه التقنية قادرة على التعامل مع العديد من التطبيقات المتواجدة في المجال الطبي مثل صور الأشعة، تقارير أطباء المريض، الأدوية التي يأخذها المريض، التاريخ المرضي، نتائج المختبر … إلخ. يستطيع التعامل مع كل هذه المعطيات ليعطي طبيب الأشعة تقريراً مبدئياً مركز وشامل عن الحالة، وكل البيانات الخاصة بالمرض جاهزة من نتائج المختبر التي لها علاقة أو التاريخ المرضي … إلخ. عندما يفتح طبيب الأشعة الحالة يكون لديه فكرة أشمل وأدق عن حالة المريض مما يؤدي إلى كفاءة عملة.

شاهد فيديو يوضح كيف يقوم واتسون بإكتشاف aortic dissection في صورة الأشعة المقطعية: AI examples, RSNA 2016. مازال الذكاء الإصطناعي في مراحلة الأولية ولم يدخل المجال الإكلينيكي بقوة بعد. لكي يدخل المجال الطبي لابد من حصوله على إذن سماح من هيئة الدواء والغذاء الأمريكية على سبيل المثال. ولن يكون هذا بالشئ السهل . لكن مع ذلك وجود مثل هذه التقنيات سيساهم في الإرتقاء والسرعة وضمان حصول المريض على العناية الطبية الازمة خاصة في الحالات الحرجة.

جوجل تدخل على الخط

في شهر مارس من هذه السنة اعلنت هذه الشركة العملاقة أنها طورت برنامج أسمته “التعلم العميق” أو “Deep Learning” قادر على إكتشاف الخلايا السرطانية. قام هذا البرنامج بتحليل العديد من الصور التي بها أورام تم توفيرها من قبل جامعة هولندية، ليصبح البرنامج بعدها قادر على تحديد وإكتشاف الأورام من بين مجموعة هائلة من البيانات والصور.

الذكاء الإصطناعي سرطان الثدي
برنامج جوجل “ديب ليرننغ” يكتشف خلايا سرطانية موضحة باللون الأخضر

الخاتمة

يؤمن الكثير بأن هذا النوع من الذكاء الإصطناعي سيكون واقعاً لا مفر منه في المستقبل ويجب تقبله والتعامل معه. على الأقل ستقوم هذه التقنيات بالأعمال الروتينية تحت إشراف طبيب الأشعة. بعض من هذه التقنيات تم بالفعل إدخالها في المجال الطبي، مثل التي تستخدم في تشخيص أورام الثدي واثبتت فعالية في التشخيص. على الرغم من أن الذكاء الإصطناعي في التصوير الطبي يتقدم بخطوات متسارعة إلا أنه مازال في مراحله الأولية (مرحلة الطفولة)، لكن مع ذلك من التقنيات الواعدة التي ستساهم في تحسن صحة المريض وتقليل الأخطاء الطبية.

المراجع العلمية:

نُشر بواسطة أنور السلمي

مؤسس الموقع. هدفي هو المساهمة في خلق محتوى إشعاعي عربي يُفيد الممارس الطبي ويُجيب على استفهامات المريض.

اترك رد